الأسير المهندس ضرار أبوسيسي.. اختطفه الموساد من أوكرانيا وتعرض لتعذيب وعزل قاتل وأفرج عنه في صفقة التبادل إلى غزة

 

خاص: المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى

الأسير الفلسطيني المهندس ضرار أبوسيسي، الحاصل على شهادة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية، وأحد العقول الفلسطينية الفذة والمبدعة، عمل مهندسا في شركة كهرباء غزة واستطاع تقديم مشاريع مبتكرة تغلب من خلالها على مشكلة توقف المحطة والانقطاع في شبكة الكهرباء فأصبح هدفا للموساد الإسرائيلي خلال سفره لأوكرانيا حيث اختطف من هناك في العام 2011 ومن ثم نقل إلى إسرائيل وتعرض لتعذيب وعزل انفرادي وحكم عليه بالسجن لمدة 21 عاما وحرر في صفقة تبادل الأسرى التي تخللت حرب الإبادة التي تعرض لها قطاع غزة.

المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى تواصل مع موسى، نجل الأسير المحرر ضرار أبوسيسي ليكشف النقاب أكثر عن فصول واحدة من قصص النضال الفلسطيني لواحدة من العائلات الفلسطينية التي مزق الاحتلال شملها ولازال حتى الآن، ويروي موسى النجل الأكبر للمهندس أبوسيسي للمركز بعضا من جوانب مأساتهم بالقول: “والدي كان مهندسا معروفا يحمل شهادة الدكتوراة في الهندسة من أوكرانيا، ويعمل مدير التشغيل في محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، وبعد الحرب على القطاع عام 2008-2009، ومع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، بدأ والداي يفكران في طريقة لمغادرة القطاع والبحث عن حياة آمنة لأسرتنا.
وفي مطلع عام 2011 توجه والدي مع والدتي الحاصلة على الجنسية الأوكرانية وأخي الصغير إلى أوكرانيا حتى يتمكن من التقدم بطلب للحصول على الجنسية الأوكرانية باعتبار أن والدتي أوكرانية الأصل، وقد كان هدفه إنسانيا بسيطا وهو أن نتمكن من السفر للخارج وتوفير مستقبل آمن لنا، حيث تلقى عروضا عديدة للعمل في دول عدة وكان يبحث عن حياة كريمة لأسرتنا وأخوتي الصغار، لكن الرحلة التي بدأت بالأمل انتهت بالاختطاف.

تعرض والدي للاختطاف أثناء توجهه بالقطار من “خاركيف” إلى “كييف” برفقة عمي الذي جاء من هولندا حيث لم يلتق بوالدي في حينه منذ 16 عاما، وأثناء رحلته بالقطار دخل المقصورة ثلاثة رجال وطلبوا من والدي أوراقه الرسمية وعندما سألهم عن طبيعة عملهم، أجابوه بأنهم من المخابرات الأوكرانية وطلبوا منه مرافقته بهدوء وتم اقتياده إلى مكان مجهول، وحسبما أخبرنا لاحقا وجد عددا من الأشخاص بينهم مسؤول في جهاز الموساد الإسرائيلي، وبدؤوا التحقيق معه وضربه بقسوة لمدة ثلاثة ساعات، ثم قيدوه ووضعوه داخل تابوت مغلق، ونقلوه إلى المطار ثم على متن طائرة غادرت إلى إسرائيل بعد توقف قصير في وجهة غير معروفة.

في تلك الأثناء يقول موسى أبوسيسي كانت العائلة في حالة صدمة، لم نكن نعرف مكانه، وهل لازال على قيد الحياة، بحثت عنه والدتي في المشافي والمقابر ومراكز الشرطة في أوكرانيا بلا جدوى، كنا نعيش كابوسا من القلق والرعب، حتى جاء الاتصال المنتظر بعد أسبوعين تقريبا، “أنا في إسرائيل، في بتاح تكفا، وهذا رقم المحامية الخاصة بي، تواصلوا معها”.

كانت تلك الكلمات القليلة كل ما استطاع والدي قوله، علمنا حينها أنه معتقل لدى أجهزة الأمن الإسرائيلية بعد أن تم اختطافه بشكل غير قانوني من أوكرانيا، وفي السجن عاش والدي ثلاثة أعوام متتالية في العزل الانفرادي لم يسمح له خلالها بلقاء أو مقابلة أي أحد بمفرده، كانت تلك الفترة قاسية عليه نفسيا وجسديا، ثم نقل عام 2014 إلى زنازين مشتركة مع أسرى آخرين، وفي عام 2015 صدر حكما بحقه بالسجن لمدة 21 عاما.

ويواصل موسى القول:” عندما اندلعت الإبادة الجماعية في غزة في أكتوبر عام 2023 انقطعت كل سبل التواصل بوالدي، لم نتمكن من سماع صوته، أو معرفة ماذا يجري معه، ولم يسمح لأي أسير فلسطيني بالتواصل مع أسرته خلال تلك الفترة وبقينا في ظلام تام، لا نعرف إن كان حيا أو ميتا، حتى يوم 27 فبراير 2025 حين تم الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى، وعندما أفرج عنه لم نتمكن خلال الصور من التعرف عليه حيث كان أنفه مكسورا، وضلوعه مكسورة، وجسده نحيل جدا لدرجة مخيفة، مجرد جلد على عظم، وتحدث لنا عن الضرب اليومي والتعذيب المستمر، وكيف كانوا يحرمونه من النظارات الطبية طول تلك الفترة، ما جعله يعاني من مشاكل مزمنة في النظر، وقد وصف لنا الرعب الذي عاشه داخل السجون والمعاملة القاسية التي تلقاها هو وبقية الأسرى دون أن يسمح لأحد بمعرفة ما يجري، وقد أرسلنا محاميا مرات عديدة لزيارته ومحاولة معرفة مكانه، لكن في كل مرة كانت السلطات الإسرائيلية تقول بأن اسمه غير موجود في النظام، وأنه ليس في هذا السجن”، وكل ذلك في محاولة لطمس وإخفاء ما يتعرض له من اعتداءات مميتة وقاتلة.

يضيف موسى: “قضى والدي سنوات طويلة خلف القضبان، بعيدا عنا وعن الحياة التي كان يحلم لنا بها”، ثم يضيف: “بعد مرور أربعة عشر عاما على اختطافه تم الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي وعاد إلى غزة بعد كل تلك السنوات من الأسر والمعاناة، لكن القصة لم تنته هنا فبينما أفرج عن والدي أخيرا، كنا قد غادرنا غزة خلال الحرب وتفرقنا في أماكن مختلفة، والدي الآن يعيش في غزة وحده، غير قادر على مغادرتها بفعل الحصار وإغلاق كافة المعابر، ونحن نعيش بعيدا عنه في انتظار آخر وجديد لليوم الذي نجتمع به معه”.