الأسير في القانون الدولي.. الحقوق والضمانات وفق اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني

يُعد الأسير شخصية محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، الذي يُعنى بتنظيم سلوك الأطراف في النزاعات المسلحة، ويضمن حقوق الأفراد غير المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية، ومن بينهم أسرى الحرب والمعتقلون المدنيون.

ويستند هذا الحماية القانونية إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والبرتوكولين الإضافيين لعام 1977، إضافة إلى عدد من المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة.

وبالنظر إلى واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإن دراسة مكانتهم القانونية وحقوقهم وفق المعايير الدولية تُعد أمراً ضرورياً لفضح الانتهاكات الواقعة عليهم، وتفعيل أدوات المساءلة الدولية بحق سلطات الاحتلال.

أولاً: تعريف الأسير في القانون الدولي

وفقاً للمادة (4) من اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، يُعتبر أسير حرب كل شخص:

“ينتمي إلى القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، ويقع في قبضة الطرف الآخر، سواء كان مقاتلاً نظامياً أو عضواً في ميليشيا أو في قوات متطوعة، شرط أن تلتزم هذه القوات بسمات التمييز الواضحة وتحترم قوانين الحرب”.

كما يُعترف بالأسرى المدنيين في إطار اتفاقية جنيف الرابعة، التي تنظم حماية السكان المدنيين في وقت الحرب، وتشمل:

  • المدنيين الذين يُعتقلون في الأراضي المحتلة.
  • المدنيين الذين يُحتجزون لأسباب أمنية دون محاكمة عادلة.

وبالتالي، فإن الأسرى الفلسطينيين – سواء كانوا مقاتلين، نشطاء سياسيين، طلاباً، نساءً أو أطفالاً – يتمتعون بوضع قانوني واضح يوجب حمايتهم واحترام حقوقهم.

ثانياً: الحقوق الأساسية للأسرى وفق اتفاقيات جنيف

تمنح اتفاقيات جنيف، وخاصة الاتفاقية الثالثة، سلسلة من الحقوق الجوهرية للأسرى، تشمل:

  1. الحق في المعاملة الإنسانية (المادة 13)
  2. يجب أن يُعامل الأسرى معاملة إنسانية في جميع الأوقات، دون تعذيب جسدي أو نفسي، أو معاملة مهينة.
  3. الحق في الحماية من التعذيب والتهديد والتمييز (المواد 13–17)
  4. تحظر الاتفاقيات أي شكل من أشكال الإكراه أثناء التحقيق، أو استخدام الأسرى كوسيلة ضغط، وتمنع التمييز بسبب العرق أو الدين أو الرأي السياسي.
  5. الحق في الغذاء والرعاية الصحية (المادة 15)
  6. يحق للأسرى الحصول على غذاء كافٍ وصحي، وخدمة طبية مناسبة تشمل الفحوصات والعلاج والتحويل إلى المستشفيات عند الحاجة.
  7. الحق في الاتصال بالعالم الخارجي (المواد 70 و71 من الاتفاقية الرابعة)
  8. بما في ذلك الحق في تبادل الرسائل مع العائلة، واستقبال الزيارات، خاصة من ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
  9. الحق في التمثيل القانوني والمحاكمة العادلة (المادة 84)
  10. لا يجوز محاكمة الأسرى إلا أمام محاكم تتوفر فيها الضمانات القضائية الكاملة، مع حق الاستئناف والاعتراض على الأحكام.
  11. الحق في الحماية من العقوبات الجماعية أو النقل القسري (المادة 49 من الاتفاقية الرابعة)
  12. يحظر القانون نقل الأسرى من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إخضاعهم لعقوبات جماعية.

ثالثاً: البرتوكول الإضافي الأول (1977) – توسيع الحماية القانونية

عزز البروتوكول الإضافي الأول المرتبط باتفاقيات جنيف الحماية القانونية للأسرى في النزاعات المسلحة الدولية، لا سيما من خلال:

  • الاعتراف بالمقاتلين في حركات التحرر الوطني كمحميين تحت صفة “أسير حرب” (المادة 1 فقرة 4).
  • توسيع الالتزامات المفروضة على سلطات الاحتلال تجاه المحتجزين، بما في ذلك الشفافية والمعاملة الإنسانية.

ويُعد هذا النص ذا أهمية بالغة في الحالة الفلسطينية، حيث يُقر بحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال المسلح، ويمنح مقاتليهم وضع “الأسير” عند الاعتقال.

رابعاً: انتهاك إسرائيل الصريح للمعايير الدولية

رغم وضوح الحماية القانونية، تُمعن سلطات الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك القانون الدولي الإنساني، عبر:

  • رفض الاعتراف بالأسرى الفلسطينيين كمقاتلين شرعيين.
  • حرمانهم من المعاملة القانونية كأسـرى حرب.
  • ممارسة التعذيب والعزل والحرمان من الزيارات والتمثيل القانوني.
  • الاعتقال الإداري دون تهم أو محاكمات.
  • نقل الأسرى من الأراضي المحتلة إلى سجون داخل إسرائيل، في مخالفة صارخة للمادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة.

وقد طالبت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مراراً بوقف هذه الانتهاكات، دون أي استجابة من سلطات الاحتلال.

خامساً: مسؤولية المجتمع الدولي ومكانة القانون الجنائي الدولي

ينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) على أن:

“إساءة معاملة الأسرى، أو حرمانهم من محاكمة عادلة، أو ممارسة التعذيب بحقهم، تُعد من جرائم الحرب” (المادة 8).

وبذلك، فإن ما تمارسه إسرائيل من سياسات ضد الأسرى الفلسطينيين يُعد جريمة حرب موصوفة، تستوجب:

  • فتح تحقيقات دولية جدية.
  • تفعيل أدوات العدالة الجنائية الدولية، بما في ذلك إحالة ملفات إلى المحكمة الجنائية الدولية.
  • محاسبة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم بصفتهم الوظيفية والشخصية.

توصيات المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى

بناءً على المعايير القانونية الواردة في اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، يؤكد المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى أن:

  • الأسرى الفلسطينيين هم أسرى محميون قانوناً، ويجب معاملتهم كأسرى حرب أو معتقلين مدنيين بموجب القانون الدولي.
  • انتهاك حقوقهم يُعد جريمة دولية تتطلب المساءلة والملاحقة القضائية.
  • على المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، أن تقوم بدورها في رصد هذه الانتهاكات والتدخل العاجل لوقفها.
  • ندعو المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لوضع حد لجرائم الاحتلال بحق الأسرى، وضمان الإفراج عنهم جميعاً، دون استثناء.