في السابع عشر من أبريل/نيسان من كل عام، تُحيي فلسطين الرسمية والشعبية “يوم الأسير الفلسطيني”، يوماً وطنياً وحقوقياً لإعلاء صوت الأسرى، وإبراز معاناتهم داخل زنازين الاحتلال الإسرائيلي. وتُعد هذه الذكرى التي أقرها المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 محطةً سنوية للتذكير بواحدة من أكثر الجرائم الإسرائيلية اتساعاً واستمراراً، والتي تطال مئات الآلاف من الفلسطينيين منذ عام 1967 وحتى اليوم.
مليون تجربة اعتقال.. وذاكرة لا تُنسى
تكشف المعطيات الصادرة عن مؤسسات الأسرى الفلسطينية عن حجم الكارثة الإنسانية المستمرة: فقد شهدت الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 ما يزيد عن مليون حالة اعتقال، طالت كل فئات المجتمع، بينهم أكثر من 50 ألف طفل دون سن الثامنة عشرة، وقرابة 17 ألف امرأة وفتاة، كثير منهنّ أمهات وقاصرات.
هذا الرقم الصادم لا يعكس فقط حجم الانتهاك، بل يعري سياسة الاعتقال كخيار استراتيجي لدى سلطات الاحتلال لقمع الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم، ضمن منظومة قمعية متكاملة، تمتد من التحقيق الميداني العنيف إلى الإهمال الطبي الممنهج.
الاعتقال الإداري.. احتجاز بلا تهمة
تُشكّل سياسة الاعتقال الإداري أبرز أدوات القمع، إذ أُصدر أكثر من 60 ألف أمر اعتقال إداري بحق فلسطينيين منذ 1967، دون محاكمة أو توجيه تهم، وبذريعة “ملف سري” لا يطّلع عليه لا المعتقل ولا محاميه، مما يُحوّل هذا النمط من الاعتقال إلى شكل صارخ من الإخفاء القانوني القسري.
وحتى بداية أبريل/نيسان 2025، تحتجز إسرائيل نحو 3,500 معتقل إداري، بينهم 4 نساء وأكثر من 100 طفل.
الواقع الراهن: أكثر من 9,900 أسير وأسيرة
يقبع داخل السجون الإسرائيلية أكثر من 9,900 أسير وأسيرة في 27 معتقلاً وسجناً ومركز تحقيق وتوقيف، بحسب بيانات مشتركة صدرت عن نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى. ومن ضمن هؤلاء:
- 29 أسيرة فلسطينية
- 400 طفل
- آلاف من أسرى قطاع غزة تحت بند “الإخفاء القسري”
أما الأسرى من قطاع غزة، فقد بلغ عدد من تم تصنيفهم إسرائيلياً كـ”مقاتلين غير شرعيين” 1,747 معتقلاً حتى مطلع أبريل/نيسان 2025.
شهادات من الجحيم: معسكرات تعذيب وحرمان شامل
منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تصاعدت الجرائم بحق الأسرى، إذ وثّقت المؤسسات الحقوقية إنشاء معسكرات احتجاز عسكرية خاصة مثل:
- “سديه تيمان”: الأكثر دموية وتعذيباً
- “ركيفت”
- “ركيفت”
- “عوفر” (كقسم عسكري خاص)
- “نفتالي” و”منشة” وغيرها
هذه المعسكرات تديرها وحدات من الجيش الإسرائيلي، وتفتقر لأدنى معايير الاحتجاز الإنساني، وسط تعمّد الإخفاء القسري ومنع الصليب الأحمر من الزيارة، واستخدام القانون كأداة لقوننة الانتهاك، لا سيما “قانون المقاتل غير الشرعي”.
الموت في الزنازين: 300 شهيد منذ 1967
ارتقى داخل سجون الاحتلال 300 شهيد من الحركة الأسيرة منذ عام 1967، بينهم 63 شهيداً خلال حرب الإبادة الأخيرة. ولا تزال سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 72 شهيداً، أقدمهم الأسير أنيس دولة منذ عام 1980.
ومن أبرز الضحايا حديثاً، الطفل وليد أحمد (17 عاماً)، الذي استشهد في سجن مجدو يوم 24 مارس/آذار 2025، في جريمة تعذيب وتجويع ممنهج، وفق إفادات قانونية وحقوقية.
ما بعد 7 أكتوبر: واقع غير مسبوق من القمع منذ بدء العدوان، سُجلت 16,400 حالة اعتقال جديدة في الضفة الغربية والقدس، منهم أكثر من:
- 510 امرأة
- 1,300 طفل
هذا الرقم لا يشمل الآلاف من معتقلي غزة، الذين تم نقلهم إلى سجون ومعسكرات عسكرية تحت الإخفاء القسري، في ظروف يصفها حقوقيون بأنها “أكثر ظلمة من جوانتانامو”.
انتهاكات مركبة: من التعذيب إلى التجويع والاغتصاب
أشارت تقارير المؤسسات الحقوقية إلى تصاعد الانتهاكات التالية داخل السجون:
- التعذيب الجسدي والنفسي الشديد
- التجويع والحرمان من العلاج
- الاعتداءات الجنسية والاغتصاب
- منع الزيارات وحرمان الأسرى من حقوقهم القانونية
وتم توثيق شهادات مروعة من معتقلي غزة، تؤكد أن الاحتلال يستخدم أدوات تعذيب ممنهجة تشمل “الضرب حتى الإغماء، التعليق من الأطراف، الصعق الكهربائي، والتحقيق العاري”، مما يشكّل جرائم حرب مكتملة الأركان.
تجريد الأسرى من كل شيء.. حتى الأرقام
تُمارس سلطات الاحتلال أساليب متعددة لطمس معالم الجريمة، أبرزها:
- تحويل المعتقلين إلى أرقام بلا أسماء
- منع أي تواصل مع عائلاتهم
- استخدامهم دروعاً بشرية
- مصادرة ممتلكات واعتقال أفراد العائلة كرهائن
- هدم منازل أسرى وتدمير ممتلكاتهم
نداء عاجل للمجتمع الدولي
في ظل تصاعد الانتهاكات الممنهجة والوحشية، يجدد المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى دعوته إلى:
- تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة وشفافة
- إحالة ملفات الاعتقال والتعذيب إلى محكمة الجنايات الدولية
- فرض عقوبات على قادة الاحتلال المسؤولين عن جرائم الحرب
إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون اليوم هو فصل جديد من فصول الإبادة الجماعية، وهو ما يستدعي تحركاً عاجلاً من الضمير العالمي لإنقاذ من تبقى داخل مقابر الأحياء المسماة زوراً بـ”السجون”.