الانتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين.. منظومة قمع ممنهجة خارج القانون

يخضع آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي لمنظومة متكاملة من الانتهاكات والجرائم، ترتكبها سلطات الاحتلال بشكل ممنهج ومؤسسي، بعيداً عن أي التزام بالقانون الدولي الإنساني أو المعايير الدولية الخاصة بمعاملة الأسرى.

وقد تصاعدت هذه الانتهاكات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لتبلغ مستويات غير مسبوقة من القسوة والتجريد من الحقوق الأساسية، في مشهد يجمع بين العقاب الجماعي، والإذلال، والإهمال الصحي، والتعذيب، والحرمان، والإخفاء القسري.

وفيما يلي أبرز هذه الانتهاكات الموثّقة:

أولاً: التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج

تمارس أجهزة الأمن الإسرائيلية، وعلى رأسها جهاز “الشاباك”، أنماطاً متعددة من التعذيب المحظور دولياً أثناء التحقيق وبعده، وتطال كافة الفئات: رجالاً ونساءً وأطفالاً.

  • أشكال التعذيب الجسدي:

    – الضرب المبرح والتقييد لساعات طويلة بوضعيات مؤلمة (وضع “الشبح”)
    – الحرمان من النوم
    – التهديد بالاغتصاب أو استهداف أفراد العائلة
    – الهز العنيف، والخنق، والصدمات الكهربائية أحياناً
  • التعذيب النفسي:

    – العزل المطوّل
    – التهديد بالموت أو الإعدام الميداني
    – الحرمان من التمثيل القانوني خلال التحقيق
    – الاعتداءات اللفظية المهينة والدفع نحو الانهيار العقلي

وقد وثقت منظمات حقوقية محلية ودولية شهادات صادمة من أسرى سابقين، وخاصة معتقلي قطاع غزة، تؤكد تفشي التعذيب كأسلوب تحقيقي روتيني لا استثناء فيه.

ثانياً: الإهمال الطبي والقتل البطيء

تُعد السياسة الطبية داخل سجون الاحتلال أحد أخطر أشكال الانتهاك الممنهج، حيث يُحرم الأسرى من الرعاية الصحية، ويتم التعامل مع أمراضهم الخطيرة باستهتار شديد، يُفضي في كثير من الحالات إلى الوفاة.

  • لا يوجد أطباء مختصون دائمون داخل المعتقلات.
  • يتم صرف مسكنات كعلاج موحد لجميع الحالات.
  • تُمنع الفحوصات الطبية الدقيقة أو التحويل إلى مستشفيات خارجية.
  • يُرفض العلاج لأمراض مزمنة مثل السرطان، والقلب، والفشل الكلوي.

وقد ارتقى خلال العامين الأخيرين عشرات الشهداء من الأسرى نتيجة الإهمال الطبي، بينهم الطفل وليد داوود أحمد (17 عاماً)، والذي قضى نحبه في سجن “مجدو” بعد حرمانه من الغذاء والرعاية.

ثالثاً: العزل الانفرادي والتجريد من الإنسانية

تستخدم إدارة سجون الاحتلال سياسة العزل الانفرادي طويل الأمد بحق العشرات من الأسرى الفلسطينيين، لأسباب انتقامية أو سياسية، وفي ظروف تفتقر للحد الأدنى من الإنسانية.

  • يقضي الأسير المعزول ما بين 22-24 ساعة يومياً في زنزانة مغلقة.
  • تُمنع عنه الزيارات، والمراسلات، والمشاركة في النشاطات الجماعية.
  • يؤدي العزل المطوّل إلى أضرار جسدية ونفسية خطيرة، منها الاكتئاب وفقدان الإدراك الزمني.

ويُعد هذا الإجراء تعذيباً صامتاً ومركّباً، وقد دعت المنظمات الدولية لوقفه الفوري، باعتباره انتهاكاً صريحاً لـ”قواعد نيلسون مانديلا” الخاصة بمعاملة السجناء.

رابعاً: الحرمان من الزيارات والعزل عن العالم الخارجي

منذ سنوات، تُمارس سلطات الاحتلال سياسة الحرمان الممنهج من زيارات الأهالي، خاصةً بحق أسرى غزة والمناطق المصنفة أمنياً.

وبعد 7 أكتوبر 2023، تم وقف جميع الزيارات تماماً، بما في ذلك زيارات الصليب الأحمر.

  • منع الأطفال من زيارة آبائهم داخل السجون.
  • حرمان الأسرى من الاتصال بذويهم هاتفياً.
  • منع إدخال الكتب، الملابس، والحاجيات الأساسية.

وقد عزز هذا العزل الكامل من ملامح الإخفاء القسري، خاصة مع انقطاع المعلومات عن آلاف الأسرى من غزة.

خامساً: الاعتقال الإداري بدون تهمة أو محاكمة

يُعتبر الاعتقال الإداري أحد أبرز أدوات الاحتلال لاستهداف نشطاء وقيادات مجتمعية، دون تهم واضحة أو محاكمات، بموجب “ملف سري” لا يطّلع عليه المعتقل أو محاميه.

  • يجدد الاعتقال الإداري لسنوات دون سقف زمني.
  • يُستخدم الاعتقال كسلاح لإرهاب العائلات.
  • بلغ عدد الأسرى الإداريين أكثر من 3500 معتقل حتى مايو 2025، بينهم أطفال ونساء.

ويخالف هذا النمط من الاعتقال كافة المعايير الدولية للعدالة، ويشكّل جريمة وفق اتفاقية جنيف الرابعة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

سادساً: الانتهاكات الجنسية والتحرش في التحقيق

تلقت المؤسسات الحقوقية شهادات موثقة حول تعرض أسرى، خصوصاً من النساء والفتيات، للتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب أثناء التحقيق، في انتهاك فاضح لأبسط حقوق الإنسان.

  • تشمل الانتهاكات: التفتيش العاري المهين، لمس الأعضاء الحساسة، ألفاظ نابية جنسية، تهديدات بالاغتصاب أو إيذاء الأهل.
  • تعتبر هذه الجرائم من أخطر انتهاكات الكرامة الجسدية والنفسية، وتقع تحت طائلة القانون الدولي كـ جرائم ضد الإنسانية.

سابعاً: مصادرة الممتلكات وفرض العقوبات الجماعية

تمارس سلطات الاحتلال سياسة انتقامية بحق الأسرى وذويهم من خلال:

  • هدم منازل الأسرى في الضفة الغربية.
  • مصادرة أموال و”رواتب” الأسرى من البنوك.
  • استخدام أفراد من العائلة كـ رهائن أو وسيلة ضغط.
  • حرمان الأسرى المحررين من السفر والتعليم والعمل.

ثامناً: الإخفاء القسري ومعسكرات الاعتقال السرّية

منذ بدء حرب الإبادة على غزة، تم توثيق اختفاء آلاف المعتقلين من القطاع في معسكرات عسكرية سرّية، مثل:

  • سديه تيمان
  • عناتوت
  • ركيفت
  • عوفر العسكري
  • منشة

ويُحرم هؤلاء من الحقوق الأساسية، ولا يتم الإعلان عن أسمائهم أو ظروف احتجازهم، ويتم التعامل معهم كـ “أرقام”، ما يؤكد وقوع جريمة الإخفاء القسري، المحظورة بموجب القانون الدولي.

توصيات المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى

إن ما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي يشكل منظومة متكاملة من الانتهاكات الجسيمة التي ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي.

وعليه، يدعو المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى إلى:

  1. تدويل قضية الأسرى وفتح ملفهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
  2. الضغط لتمكين المؤسسات الحقوقية والدولية من زيارة كافة مراكز الاعتقال، وخاصة معسكرات الإخفاء القسري.
  3. تشكيل لجنة أممية دائمة لرصد الانتهاكات داخل السجون الإسرائيلية.
  4. تفعيل العقوبات والمساءلة الدولية بحق قادة الاحتلال والمسؤولين عن إدارة المعتقلات.