قوانين وتشريعات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين: تشريع ممنهج للقمع وانتهاك للقانون الدولي

رغم أن القانون الدولي الإنساني يلزم قوة الاحتلال باحترام حقوق المعتقلين، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي صاغت، على مدار العقود الماضية، منظومة تشريعية داخلية تهدف إلى إضفاء غطاء قانوني على سياسات الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري بحق الفلسطينيين، في انتهاك فاضح لأحكام اتفاقيات جنيف الرابعة، ونظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية.

أولاً: الاعتقال الإداري.. سيف القانون بلا محاكمة

يُعد الاعتقال الإداري أحد أبرز أدوات القمع الإسرائيلي، ويتم بموجب “قانون الطوارئ الانتدابي البريطاني لعام 1945″، والذي أُعيد تفعيله وتعديله في النظام القضائي الإسرائيلي، ليسمح باعتقال أي فلسطيني لأجل غير مسمى دون توجيه تهمة، استناداً إلى “ملف سري”.

  • يتم إصدار أمر الاعتقال من قبل القائد العسكري الإسرائيلي دون الرجوع إلى محكمة.
  • يُجدد الاعتقال كل 4 أو 6 أشهر، إلى ما لا نهاية.
  • يتم حرمان المعتقل ومحاميه من الاطلاع على ما يسمى “أدلة سرية”.

ويخالف هذا النوع من الاعتقال المادة (9) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة.

ثانياً: قانون “المقاتل غير الشرعي”.. نزع الصفة الإنسانية

في عام 2002، أقر الكنيست الإسرائيلي “قانون المقاتل غير الشرعي”، والذي أصبح منذ 7 أكتوبر 2023 الأداة القانونية الرئيسية في التعامل مع أسرى قطاع غزة.

  • يُصنَّف المعتقل الفلسطيني كمقاتل غير شرعي دون الحاجة لإثبات مشاركته بأي عمل عسكري.
  • يُحرم المعتقل بموجب هذا القانون من أبسط حقوقه القانونية والإنسانية، بما في ذلك:

    1- معرفة سبب الاعتقال
    2- التمثيل القانوني الفعّال
    3- الزيارة العائلية
    4- الإشراف الدولي (مثل زيارات الصليب الأحمر)

ويمثل هذا القانون خرقاً مباشراً لأحكام القانون الدولي الإنساني، إذ يعتبر كل مدني في منطقة نزاع محمياً بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، ولا يجوز نزع هذه الحماية بأي ذريعة.

ثالثاً: قانون إطعام الأسرى قسراً.. إضفاء شرعية على التعذيب

في يوليو 2015، أقرّت حكومة الاحتلال ما يُعرف بـ “قانون إطعام الأسرى المضربين عن الطعام قسرياً”، الذي يسمح باستخدام القوة لإطعام الأسير المضرب عن الطعام، حتى دون موافقته.

  • يُطبق هذا القانون على الأسرى الإداريين المضربين احتجاجاً على احتجازهم دون تهم.
  • يُعدّ الإطعام القسري شكلاً من أشكال التعذيب المحظور بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984.
  • يُعارض هذا الإجراء منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” الإسرائيلية، ويصفه المجتمع الحقوقي الدولي بأنه “عمل لا إنساني”.

رابعاً: تشريعات العقاب الجماعي ضد أسرى وعائلاتهم

أقرت السلطات الإسرائيلية عدة قوانين وقرارات حكومية تهدف إلى ممارسة عقوبات جماعية بحق الأسرى وأسرهم، منها:

  • قانون حجز أموال الأسرى: يتيح مصادرة الرواتب التي يتلقاها الأسرى من السلطة الفلسطينية.
  • قرار هدم منازل الأسرى: يُنفذ بناءً على أوامر عسكرية تصدر بحق أسر الأسرى الذين يُتهم أحد أفرادهم بتنفيذ عمليات مقاومة.
  • سحب الإقامة من أسرى القدس، وسحب الهوية الزرقاء.

كل هذه الإجراءات تخالف مبدأ عدم مسؤولية الفرد عن فعل غيره، المنصوص عليه في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

خامساً: التشريعات الخاصة بمحاكم الأطفال الفلسطينيين

يُحاكم الأطفال الفلسطينيون، في معظم الأحيان، أمام محاكم عسكرية إسرائيلية تفتقر للضمانات الأساسية لمحاكمة عادلة، رغم انضمام إسرائيل إلى اتفاقية حقوق الطفل.

  • يتم استجواب الأطفال دون حضور محامين أو ذويهم.
  • تُنتزع الاعترافات منهم تحت التهديد والضغط النفسي أو الجسدي.
  • تُصدر بحقهم أحكاماً قاسية تصل إلى عشرات السنين.

ولا يُطبق القانون الإسرائيلي الذي يضمن حقوق الطفل (لصالح القاصرين الإسرائيليين) على الأطفال الفلسطينيين، ما يكرّس تمييزاً عنصرياً قانونياً فاضحاً.

سادساً: قانون محاكمة الأسرى أمام المحاكم العسكرية

تُحاكم الغالبية الساحقة من الأسرى الفلسطينيين أمام محاكم عسكرية إسرائيلية تابعة للجيش، وتُعقد في مستوطنات مقامة على أراضي الضفة الغربية (مثل “عوفر” و”سالم”).

  • نسبة الإدانة في هذه المحاكم تصل إلى 99%.
  • يُحرم المعتقلون من الحصول على محامين مستقلين في كثير من الحالات.
  • تُستخدم الاعترافات المنتزعة تحت الضغط كأدلة رئيسية في إصدار الأحكام.

سابعاً: استثناءات “الأمن القومي” وشرعنة التعذيب

بموجب تفسير جهاز “الشاباك” والمحكمة العليا الإسرائيلية، يُسمح باستخدام “وسائل ضغط جسدي” خلال التحقيق مع الأسرى الفلسطينيين في القضايا المصنفة “تهديداً أمنياً”، ما يعني فعلياً شرعنة التعذيب.

  • رفضت المحكمة العليا في قراراتها إلزام “الشاباك” بالتوقف الكامل عن استخدام هذه الأساليب.
  • تنظر جهات الرقابة الإسرائيلية إلى تلك الانتهاكات على أنها “ضرورات أمنية” وليست جرائم.

توصيات المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى:

إن قوانين وتشريعات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين لا تخضع لمنظومة قانونية عادلة ومحايدة، بل تُستخدم كأداة قمع واستهداف منظم، في تعارض تام مع:

  • اتفاقيات جنيف الأربع
  • نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية
  • اتفاقيات مناهضة التعذيب
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى إذ يدين هذه المنظومة القانونية الظالمة، فإنه يطالب:

  1. بتشكيل لجان تقصي حقائق دولية لمراجعة المنظومة القضائية الإسرائيلية في التعامل مع الأسرى.
  2. بإدراج قادة الاحتلال والجهات القضائية والعسكرية الإسرائيلية في قوائم المساءلة الدولية.
  3. بإطلاق حملة قانونية دولية لفضح وتفكيك تشريعات القمع الإسرائيلي التي تقوّض الأسس الإنسانية والقانونية للحماية في زمن الاحتلال والنزاع.