ضمن سعي “المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى” إلى توثيق الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، نبدأ بنشر سلسلة من الشهادات المنفصلة لعدد من الأسرى المقدسيين الذين كشفوا النقاب عن وقائع صادمة من التعذيب الممنهج وسوء المعاملة، في ظل تدهور غير مسبوق في ظروف الاحتجاز منذ 7 أكتوبر 2023.
تُسلّط هذه الشهادات الضوء على الواقع الوحشي داخل السجون الإسرائيلية، كما توثق انتهاك سلطات الاحتلال لأبسط مبادئ القانون الدولي الإنساني، لا سيما اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقيات جنيف الرابعة، والميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
منهجية التوثيق
تم جمع الشهادات من مصادر أولية موثوقة، من بينها تقارير ميدانية صادرة عن منظمات حقوقية مثل “بتسيلم” و”الضمير”، إلى جانب مقابلات مباشرة مع الأسرى المحررين، مع الحرص على توثيق الشهادة الشخصية لكل أسير بشكل منفصل، واحترام خصوصية الضحايا.
شهادة رقم (1): الأسير “ز.أ” – القدس
لم يتم ذكر الاسم حفاظاً على حياة الأسير من بطش الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ الاعتقال: 12 أكتوبر 2023 – تاريخ الإفراج: نهاية مارس 2024
“لم يجلبوا لي طعاماً أو ماءً… كنت أسمع صراخاً وبكاءً، يبدو أنهم كانوا يُعذبون معتقلين آخرين. عندما فتشوني، أمروني بأن أخلع ملابسي بالكامل، وكان السجّان يصفعني في كل مرة أخلع فيها قطعة من ملابسي. بعد أن خلعت النعل، ضربني به على رأسي. فتشوني وأنا عارٍ تماماً، وأهانوني بشكل مقصود”.
انتهاكات موثّقة:
- تعرية قسرية وصفع متكرر أثناء التفتيش.
- مصادرة المصاحف وسجاجيد الصلاة والدوس عليها.
- حرمان من الماء الكافي والنظافة الشخصية، ما أدى إلى تفشي أمراض جلدية وهضمية.
- سوء التغذية، ما تسبب في معاناة صحية حادة.
- ضرب وإهانة يومية أثناء العدّ.
“أمضيت في السجن سبع سنوات من قبل، لكن لم أمرّ بمثل هذا الإذلال… هذه أقسى تجربة مررت بها.”
شهادة رقم (2): الأسيرة “ن.ح” – القدس
لم يتم ذكر الاسم حفاظاً على حياة الأسير من بطش الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ الاعتقال: 2021 – تاريخ الإفراج: فبراير 2023
شهادة حول ما بعد 7 أكتوبر 2023
“اقتحم زنزانتنا 20 سجاناً ذكوراً، انهالوا علينا بالضرب لمدة نصف ساعة. صادروا كل شيء: الطعام، الأجهزة، المراوح. قطعوا الكهرباء عن الزنازين… ورشّوا رذاذ الفلفل علينا داخل الزنزانة، مما تسبب باختناق شديد، ثم كبّلونا بأصفاد معدنية”.
انتهاكات موثّقة:
- اقتحامات ذكورية متكررة للزنازين دون مراعاة الخصوصية أو الاحتشام.
- استخدام مفرط للقوة ورذاذ الفلفل داخل أماكن مغلقة.
- سياسة عقابية جماعية: منع الطهي، تقديم طعام فاسد.
- حرمان من الزيارات والعلاج الطبي، وقطع الكهرباء بشكل دائم.
“كنا نُمنع من ارتداء الحجاب أثناء الاقتحام، وكانوا يدخلون عنوة علينا… أحد السجانين قال لنا صراحة: تلقّينا الضوء الأخضر لفعل كل شيء بكم.”
شهادة رقم (3): الأسير “ص.ب” – القدس
لم يتم ذكر الاسم حفاظاً على حياة الأسير من بطش الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ الاعتقال: أبريل 2021 – تاريخ الإفراج: مارس 2024
“بعد 7 أكتوبر تغيّر كل شيء. أصبح الوضع في السجن كارثياً. لم يُسمح لنا بالاستحمام إلا كل 3 أيام، ولمدة 3 دقائق فقط. لم نُعرض على الشمس. الطعام كان فاسداً وغير مطهو. حصلت على 3 ملاعق من أرز نصف نيء وبيض فاسد رائحته كريهة.”
انتهاكات موثّقة:
- حرمان شبه تام من الاستحمام والخروج إلى الشمس.
- استخدام الإهمال الطبي كأسلوب عقاب (فطر الأظفار، علاج بالأكامول فقط).
- مصادرة كافة المستلزمات: الوسائد، الشراشف، المدافئ، المراوح.
- عقوبات جماعية منظمة طالت جميع المرافق والخدمات الأساسية.
“لم يتركوا في الزنزانة إلا بطانية واحدة لكل سجين… بقينا في عزلة تامة، دون اتصال بالعالم الخارجي أو حتى بأجسادنا.”
أدلة دامغة
تمثّل هذه الشهادات أدلة دامغة على ممارسات تعذيب ممنهجة وإهمال متعمد تمارسه مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسرى الفلسطينيين المقدسيين، ما يشكل انتهاكاً صارخاً للشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة:
- اتفاقية مناهضة التعذيب (1984)
- اتفاقية جنيف الرابعة (1949)
- نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998)
ويؤكد المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى أن هذه الشهادات ستُنشر تباعاً في ملف خاص، يتضمن التوثيق الكامل لكل حالة، مع أسماء الأسرى، صورهم، وتواريخ اعتقالهم، تمهيداً:
- لإعداد ملف قانوني دولي متكامل يُحال إلى المنظمات الدولية المختصة.
- ولإطلاق حملة ضغط إعلامي وحقوقي دولي تهدف إلى تسليط الضوء على جرائم الاحتلال بحق الأسرى، لا سيما النساء، الأطفال، وأسرى القدس.