شهادة أسير محرر يستعرض أبرز جرائم الحرب الممارسة داخل السجون بحق الأسرى الفلسطينيين

في إفادة جديدة حصل عليها المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى في إطار توثيقه للجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيي، يستعرض المركز واحدة من أبرز وأهم الشهادات التي توثق مرحلة دامية وفائقة الإجرام تعرض لها آلاف المعتقلين من قطاع غزة.

ويروي الأسير المحرر بهاء الدين حسين وهو أحد صناع المحتوى والمؤثرين الفلسطينيين قصته مع الاعتقال فيقول: “مع غياب شمس الخامس عشر من نوفمبر ٢٠٢٣، بدأت آلة الحرب الإسرائيلية في استهداف جنوب مدينة غزة، بالقنابل الصوتية والدخانية وإطلاق النار بالمسيرات والمدفعية وغير ذلك، أصيب منزلنا بأكثر من ٤ قذائف من الاتجاهين الشمالي والجنوبي.
بقينا في غزة حتى ذلك التاريخ لأن والدي مريض بالفشل الكلوي، لكن تدمير مستشفى الشفاء والإندونيسي، لم يتركا لنا خيارا إلا النزوح جنوبا، وهو ما لم نكن نريده، لأننا نعلم أن كل ما في الجنوب من أجهزة لغسيل الكلى (الديلزة) ٢٠ جهازا، وهو أقل من ثلث ما في قسم الكلى بمستشفى الشفاء وحده.

ويواصل القول: “مع اشتداد القصف، وتقدم الآليات تحركنا باتجاه الجنوب، وعلى الممر الآمن، وبينما كنت أحمل والدي بين ذراعي، استدعاني الجيش الإسرائيلي وأمرني بترك والدي الذي لم يكن يقوى على المشي وخلف تلة رملية أمرني بنزع ملابسي، كاملة، ثم ارتداء الداخلي السفلي فقط، أطلق رصاصتين بالقرب مني ثم فوجئت بمجند ضخم يهاجمني ويقتادني لنقطة في الأعلى، استجوبني في المكان ضابط لبناني على الأغلب، هددني بالاعتداء على عائلتي، ثم اقتادني إلى مكان مفروش بالحصى، حيث مجموعة من الشباب المكبلين، حيث انتظرنا هناك لساعات، ثم اقتادونا إلى شاحنات، قذفونا عليها ثم اقتادونا إلى معسكر سديه تيمان”.
ويكمل حسين حديثه: “مكبلين طوال الوقت بأصفاد بلاستيكية، ومعصوبي الأعين، حيث يمنع دخول الحمام إلا لمدة دقيقة واحدة فقط، بينما نقضي كامل الوقت جلوسا على ركبنا فوق فراش مطاطي بسمك ٥ ملم.

الحال لم يستمر على ما هو، حيث استدعتني الاستخبارات العسكرية لما قالوا لي إنه تحقيق عسكري، تعرضت فيه للضرب المبرح وكسر الأنف والشبح وتمزيق الجلد بالأصفاد، والتهديد بالقتل والشتم والحط من الكرامة والحرمان من الطعام والشراب”.

ويضيف: “انتهت أيام التحقيق الأربعة، ثم تم اقتيادي مجددا إلى سديه تيمان، حيث ذات الظروف السابقة من تكبيل اليدين طوال النهار والجلوس على الركب ٢٠ ساعة، مع ٣ وجبات من الطعام عبارة عن شرحتين من خبز التوست لكل وجبة وملعقة صغيرة من الجبن المطبوخ، ونص حبة طماطم وعلى هذه الحال مكثت في سديه تيمان ٧ أيام، ثم نقلوني مع ٣٥ شخصا إلى النقب، لأعيش هناك قرابة ٤٦٠ يوما”.

ويواصل حسين: “تنقلت بين أقسام الغرف وهي غرف بطول ٦ أمتار وعرض ٣ تقريبا، فيها حمام وماء لمدة ساعة فقط يوميا، بنوافذ لا تغلق، يحشر فيها ١٧ فردا، بلا روابط مشتركة، ولا أعمار متقاربة ولا ظروف مناسبة، بدون أدوات نظافة شخصية، أو مواد تنظيف وحتى مايو ٢٠٢٤ لم يتم تبديل ملابسنا، ولا إعطاؤنا فرصة للحصول على ملابس جديدة، ولا حتى ملابس داخلية، وحتى مع اشتداد البرد والأجواء الصحراوية في النقب، لم تعمل إدارة السجن على تحسين الأغطية، بل واصلت منعنا من استخدامها بدءا من الفجر وحتى السادسة مساء”.

وعن واقع الحياة المعيشية للمعتقلين يقول المحرر حديثا بهاء حسين: “في كل غرفة ٥ أسرة فقط، ما دفع ١٢ أسيرا باستمرار للنوم على الأرض الباردة جدا، حتى في فصل الشتاء، دون مراعاة السن، حيث كان من بين الأسرى كثير ممن تتجاوز أعمارهم ٦٠ عاما”.

ويضيف: “بعد نقلنا إلى أقسام الخيام، القديمة والجديدة، لم يطرأ أي تغيير، حيث لم يكن يسمح بإغلاق الخيام في شهور الشتاء الباردة والماطرة، مع سحب الفراش والأغطية فجرا، وحتى ساعات الليل الأولى، وأحيانا إلى الساعة ١٢ بعد منتصف الليل، وكانت الخيام تغرق بمياه الأمطار باستمرار دون أي تدخل لعلاج المشكلة”.

وفي الخامس من مايو ٢٠٢٤ قمع رئيس السجن مع مجموعة كبيرة من القوات أحد الأقسام لأنهم طالبوا بالعلاج بعد أن تحولت أجساد عدد منهم إلى مومياء نازفة، حيث غطت أجسادهم التي تشبه الهياكل العظمية دمامل تنزف طوال الوقت بشكل مرعب، فأقدمت إدارة السجن على مهاجمة الأسرى وضربهم بشكل مبرح وحشرهم في قفص مليء بقاذورات الطيور والجرذان، ما زادت من وتيرة انتشار المرض بشكل مرعب.

وعن الاقتحامات وحملات القمع والتنكيل والتضييق يستذكر حسين ويقول: “كانت إدارة السجن تنفذ حملات قمع ضد الأسرى تشمل النقل والضرب المبرح، واقتحام الخيام بالكلاب والقنابل الدخانية، وقنابل الغاز، وتقود حملات تفتيش عميق عن الأقلام والأوراق وقطع الكرتون الصغيرة، وحتى أكياس الخبز الفارغة، وكل شيء في السجن تحول إلى وسيلة ضغط، حيث أجبرت إدارة السجن حتى يوليو ٢٠٢٤ الأسرى على الذهاب إلى الحمام بالدور، حيث يسمح لشخص واحد من أصل ١٥٠ بدخول الحمام رغم توفر ٦ حمامات وحتى السابع من يوليو ٢٠٢٤، كانت وجبات الطعام بمعدل ٣٥٠ غراما للفرد في اليوم، تشمل ٦ شرحات من خبز التوست، ٥٠ جرام لبنة مع معدله حبة واحدة في اليوم من الخضار، مقدار فنجان صغير لا يتجاوز ١٠٠ جرام من الأرز وما يعادله من العدس أو الفاصولياء، بدون ملح نهائيا ولا سكريات، وكميات محدودة من البيض بدون روتين معروف”.

ويذكر الأسير المحرر بهاء حسين: “في ديسمبر ٢٠٢٤ ظهرت قوات المتسادا في سجن النقب لأول مرة، حيث نفذت عدة قمعات فجرا استخدمت فيها الرصاص المطاطي بإطلاق نار مباشر على الأسرى أسفر عن إصابات لم تتم معالجتها نهائيا وبين الفينة والأخرى ونظرا لكثرة العقوبات على الأقسام بزعم عدم النظام، ما شمل الحرمان من العلاج اليومي لمرضى الأمراض المزمنة وحبوب الأكامول والحساسية، التي كانت تعطى بشكل غير مفهوم لأعداد قليلة وغير منظمة من الأسرى، بدأت الشباب في محاولة ترتيب الأوضاع واختيار مجموعات لتنظيم الأمور والتواصل مع الإدارة، الأمر الذي قابلته إدارة السجن بالقمع ومنع هذا التشكيل ومحاربته بالعزل الانفرادي والنقل والحرمان من الطعام”.

وعن أقسى مراحل الاعتقال يروي المحرر حسين تفاصيل بالغة المأساوية حول استشهاد بعض زملائه من المعتقلين ويقول: “بلغ الحرمان من العلاج مراحل في غاية الصعوبة، حيث شهدنا ما لا يقل عن ٤ حالات وفاة بسبب المرض، من بينها شباب توفوا بعد الإصابة بالجرب وبسبب نقص التغذية المستمر، كان الشباب يتعرضون للإغماء باستمرار خاصة في فترة العد، حيث يجبرون على الوقوف أكثر من ساعة في الشمس الصحراوية الحارقة وكل ذلك كان يتم بمنأى عن المتابعات الإنسانية والحقوقية الدولية وكأن الأسرى قد تركوا لوحدهم يجابهون آلة الموت والجرائم الإسرائيلية حيث كان السجان يهدف لقتل أكبر عدد ممكن من الأسرى والمعتقلين بطرق وأدوات ووسائل شتى ومختلفة”.

هذا ويذكر أن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بلغ حتى كانون الأول/ديسمبر الجاري نحو 9300 أسيرا ومعتقلا، منهم 1300 أسيرا محكوما، ومن بينهم 51 أسيرة و350 معتقلا طفلا و3200 معتقلا إداريا و1250 معتقلا تحت قانون المقاتل غير الشرعي وجميع هؤلاء من قطاع غزة المعتقلين بعد السابع من أكتوبر 2023 ويتعرضون لأبشع وسائل القهر والإذلال من قبل السجان الإسرائيلي.