يوثق المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى واحدة من الشهادات الدامية التي تعرض لها أحد الأسرى من قطاع غزة، حيث روى الأسير المحرر أحمد حمدان أبو راس للمركز تفاصيل اعتقاله الذي وقع يوم الخميس الموافق 16/11/2023م، أثناء محاولته النزوح مع زوجته وطفله، البالغ من العمر عامًا وشهرًا، نحو جنوب قطاع غزة عبر شارع صلاح الدين – محور نتساريم، هربًا من القصف المكثف.
ويقول أبوراس بأنه خلال تلك اللحظات، ناداه الجنود باسمه، قبل أن يأمروا زوجته قائلين: «خذي الطفل من أبيه ولا تنظري خلفك»، وفق ما ذكره في شهادته. ومع بكاء زوجته وطفله، أطلق الجنود الرصاص لإجباره على رفع يديه، وأجبروهما على متابعة الطريق جنوبًا دون معرفة مصيرهما، فيما تم اقتياده من قبل الجيش الإسرائيلي.
ويروي أبوراس اللحظات الأولى للاعتقال ويقول: “بدأت فصول المعاناة، إذ أُجبرت على خلع ملابسي والإبقاء على الملابس الداخلية فقط، مع تقييد يدي خلف ظهري وتعصيب عيني ثم قام ضابط يتحدث العربية بأخذ رقم هويتي وبصمة عيني، ووضع علامة (X) على ظهري، وكان يُدعى “جهاد”، مرددًا عبارة: «إعدام نخبة».
ويذكر أنه عقب ذلك مباشرة، تعرّض لاعتداء عنيف من قبل جنود لواء جولاني، الذين انهالوا عليه بالضرب المبرح إلى أن تدخل ضابط آخر يتحدث العبرية وأوقفهم، بينما كان الدم ينزف من أنفه وفمه.
وبحسب إفادته، جرى نقله مع ستة أسرى آخرين إلى موقع بئيري العسكري، حيث جرى استخدامهم دروعًا بشرية لمدة 28 ساعة في منطقة تتعرض لقذائف الهاون بشكل متواصل. وخلال تلك المدة، حُرم الأسرى من الطعام والشراب والذهاب إلى المرحاض أو أداء الصلاة، وأُجبروا على التبول على أنفسهم.
ويضيف: لاحقًا، تم نقل المجموعة إلى موقع فجة العسكري، حيث تعرّضوا خلال الطريق لاعتداءات بالضرب والشتم من قبل مستوطنين، قبل أن يتم نقله بعد يوم إلى البركسات المعروفة باسم معتقل سديه تيمان. وهناك، أقدم أحد الجنود على إدخال سيخ حديدي في أذنه اليسرى، ما تسبب بنزيف حاد وفقدان السمع فيها بشكل كامل حتى اليوم.
وبعد تسجيل بياناته، مُنح ملابس رمادية وقُيّد بالحديد، ثم وُضع في القسم خمسة – بركس “ألف”، قبل أن يتم نقله إلى التحقيق. وخلال عمليات النقل، تعرّض للضرب والسحل، فيما جرى عند الوصول تجريده من ملابسه وإلباسه ثوب العمليات، ثم إلقاؤه في مظلة أرضها حجارة، مع فرشة رقيقة وغطاء مبلل، بالتزامن مع تشغيل مراوح وسماعات بأصوات عالية بهدف حرمانه من النوم.
أما عن أبرز ما تعرض له من تعذيب واعتداء جسدي في أقبية التحقيق، فيوضح الأسير المحرر أن ذلك شمل وفق شهادته الموثقة، نزع أظافره العشرين، وحرقه بالماء الساخن وبكاوي الجلاد، إضافة إلى الضرب المبرح. وبعد ثلاثة أيام، أُعيد إلى البركسات، حيث كان الأسرى يُجبرون على الجلوس على الركب لمدة 16 ساعة يوميًا، مع سحب الأغطية نهارًا وتركهم في البرد القارس بين روث الطيور.
ويذكر المحرر أبوراس أنه في إحدى الليالي شديدة البرودة، فارق الأسير المسن العم أبو كايد الحياة بجانبه نتيجة البرد القارس. وبعد أن ردّد الأسرى «الله أكبر»، تعرّضوا لهجوم عنيف شمل الضرب واستخدام الكلاب البوليسية والقنابل الصوتية والدخانية، إضافة إلى الرصاص المطاطي.
وبعد 18 يومًا قضاها في معتقل سديه تيمان، نُقل إلى سجن النقب، حيث تعرّض أثناء النقل للضرب في مكان يُعرف باسم «الكلّابة»، ما أدى إلى كسر ضلعين لديه. كما خضع لاحقًا لتحقيق قاسٍ في موقع يُسمى «المسلخ» استمر أربعين يومًا، قضى أكثر من نصفها مشبوحًا مقلوبًا.
وفي ختام شهادته التي وثّقها المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى، تحدّث الأسير المحرر عن ظروف الاحتجاز القاسية في سجن النقب، بما شمل القمع والعزل وقلة الطعام والشراب، وإجباره على ارتداء ملابس صيفية في فصل الشتاء، ما أدى إلى إصابته بمرض الجرب ونقص حاد في الوزن وفقر في الدم. كما أشار إلى أن أقسى ما شهده كان استشهاد الأسير صايل أبو نصر نتيجة التعذيب والبرد، إلى جانب أسير آخر فقد عقله جراء التعذيب والعلاج القسري.
هذا ويذكر أن عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بلغ حتى كانون الأول/ديسمبر الجاري نحو 9300 أسيرا ومعتقلا، منهم 1300 أسيرا محكوما، ومن بينهم 51 أسيرة و350 معتقلا طفلا و3200 معتقلا إداريا و1250 معتقلا تحت قانون المقاتل غير الشرعي وجميع هؤلاء من قطاع غزة المعتقلين بعد السابع من أكتوبر 2023.

