تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز آلاف المواطنين الفلسطينيين في سجونها ومراكز اعتقالها بلا أي مسوغ قانوني ودون تعريضهم لأي محاكمات أو جلسات قانونية أخرى. وتعمد سلطات مصالح السجون الإسرائيلية للاعتماد على التواطؤ الحاصل بين أجهزة الأمن من ناحية والأجهزة القضائية الإسرائيلية من ناحية أخرى، حيث تلجأ الأخيرة لسن وإصدار قوانين جديدة هدفها إبقاء أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين رهن الاعتقال في مشهد واضح الدلالة على إصرارها للانتقام من الفلسطينيين أو لأجل حسابات سياسية داخلية متعلقة بصفقات التبادل القادمة حسب مراقبين.
وكانت صحيفة الجارديان البريطانية كشفت أن سلطات الاحتلال اعتقلت 6 آلاف فلسطيني بموجب قانون “المقاتلين غير الشرعيين”، الذى يسمح بالسجن لأجل غير مسمى دون تهمة أو محاكمة، وفقًا لبيانات رسمية صدرت بعد طعون قانونية. وبحسب ما ذكرت الجارديان، فإن من بين المعتقلين لفترات طويلة دون تهمة أو محاكمة، العاملون فى المجال الطبي والمعلمون وموظفو الخدمة المدنية والإعلاميون والكتاب والمرضى وذوي الإعاقة والأطفال والنساء. وتضيف الجارديان في تحقيقها أن البيانات الإسرائيلية نفسها تكشف مفارقة صارخة؛ ففي مايو/أيار 2024 لم يُصنَّف كمقاتلين فعليين سوى 1450 معتقلاً فقط ضمن قاعدة بيانات الاستخبارات العسكرية. وبالمقابل، اضطرت إسرائيل إلى الإفراج عن أكثر من ألفي معتقل مدني بعد أن تبيّن عدم وجود أي صلة لهم بأنشطة مسلحة.
وكشفت بيانات سرية للجيش الإسرائيلي، أن واحدًا فقط من كل أربعة معتقلين من غزة يصنف على أنه مقاتل من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية، بينما يُشكل المدنيون الغالبية العظمى من الفلسطينيين المحتجزين دون تهمة أو محاكمة فى سجون تشهد انتهاكات واسعة. ويُشكّل ما يُعرف بقانون “المقاتلين غير الشرعيين” أحد أخطر الأدوات التي تستخدمها إسرائيل في اعتقال الفلسطينيين من غزة، إذ يتيح الاحتجاز إلى أجل غير مسمى دون توجيه تهمة أو عقد محاكمة. وبموجب القانون، يمكن منع المعتقل من مقابلة محامٍ لمدة تصل إلى 180 يوماً، كما يُمنع عرضه على قاضٍ قبل مرور 75 يوماً. منظمات حقوقية محلية ودولية اعتبرت هذا التشريع غطاءً قانونياً لما وصفته بـ”الاختفاء القسري” ووسيلة لتسهيل “الاعتقال الجماعي للمدنيين”، في انتهاك صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تضمن الحماية الخاصة للمدنيين في أوقات الحرب.
وتفيد مؤسسات حقوقية تعمل في الأراضي الفلسطينية أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الغالبية العظمى من المحتجزين هم مدنيون لا علاقة لهم بالعمل العسكري وأن نسبة المدنيين بين المعتقلين أعلى بكثير مما تعلنه إسرائيل. في أقصى تقدير، واحد فقط من كل ستة أو سبعة له ارتباط بفصيل مسلح. وترى هذه الجهات أن المشكلة لا تقف عند حدود الأعداد أو هوية المعتقلين، بل في الإطار القانوني نفسه الذي يتيح استمرار هذه الانتهاكات؛ فالقانون الإسرائيلي أداة لتبرير الاختفاء القسري لمئات وربما آلاف الأشخاص وبنود قانون “المقاتلين غير الشرعيين” صُممت لتتيح احتجاز الأفراد إلى أجل غير مسمى من دون تهمة أو محاكمة، مع إمكانية حرمانهم من التواصل مع محامٍ لفترات طويلة. وهذا يعني فعلياً أن آلاف الفلسطينيين أصبحوا خارج أي رقابة قضائية أو حماية قانونية، في ممارسة تشبه ما وصفته الأمم المتحدة مراراً بـ”الاختفاء القسري.
ومنذ عام 2005، يطبق الاحتلال الإسرائيلي القانون على معتقلين فلسطينيين من قطاع غزة، ويتم تجريدهم بمقتضى القانون من حقوق المراجعة القضائية والإجراءات القانونية والمثول أمام محاكمة عادلة. وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي بدأ في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت سلطات الاحتلال قرارا ينص على اعتبار جميع المعتقلين من قطاع غزة “مقاتلين غير شرعيين”.