المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى – غزة
في رحلة البحث عن لقمة في القطاع المحاصر والذي يتعرض لحرب إبادة وحشية على مدار أكثر من اثنين وعشرين شهرا تكاد تكون جميع احتمالات الخطر المحدق مفتوحة على مصراعيها، أقصاها التعرض للموت بلا أدنى رحمة أو شفقة أو إنسانية من قبل جنود الاحتلال المتحصنين في مواقع عسكرية بالقرب من مناطق سكنية مكتظة، أو على شفا ركام بيوت تعرضت للقصف والتدمير، ثم تتراوح احتمالات في نظر الفلسطيني أقل خطورة ولكنها مقبولة حين تقارن بآلام الجوع وأوجاع المرض والقهر والحرمان، ومنها التعرض للإصابة أو الاعتقال والاختفاء القسري كما حدث مع مئات الشبان والفتية والأطفال الذين يودي بهم الجوع المنتشر في مناطق غزة كافة لأماكن يصنفها الاحتلال بأنها “حمراء”، في محاولة متكررة للبحث عن لقمة عيش تسد رمق الجوع القاتل بفعل التجويع الممنهج الذي تنتهجه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق ما يزيد على مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
وقد يتقاسم زملاء رحلة البحث عن لقمة هذه المخاطر كما حدث مع الشاب أحمد نافذ بركة من منطقة بني سهيلا شرقي مدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة، حيث توجه مساء الثامن والعشرين من يوليو الجاري لإحدى مناطق تتواجد بها قوات عسكرية إسرائيلية بحثا عن بقية من طعام لهؤلاء الجنود، فكان مصيره الاعتقال والتعذيب الميداني بينما فتحت قوات الجيش النار على زميله الآخر فأردته شهيدا.
وعمدت وسائل إعلام إسرائيلية نقلا عن الجيش الإسرائيلي إلى الحديث عما وصفته محاولة اقتحام اثنين من المسلحين الفلسطينيين اقتحام قاعدة عسكرية إسرائيلية شرقي خانيونس وأنه قد جرى قتل الأول بينما تم اعتقال الآخر، قبل أن يصدر مشهدا موثقا من الجيش يظهر فيه الشاب بركة وهو يدلي باعترافات ميدانية لقوات الجيش عن سبب تواجده في تلك المنطقة وقد بدت على جسده النحيل معالم الجوع والإرهاق حيث أظهره الفيديو وهو عاري الملابس من الجزء الأعلى من جسده، بينما أشار مختصون إلى حجم التناقض بين الرواية الأولى للاحتلال وبين الفيديو الذي صدر عن الجيش الإسرائيلي لاحقا.
وفي وقت سابق من هذا الشهر اعتقلت قوات الاحتلال حوالي خمسة عشر طفلا بالقرب من منطقة زيكيم حيث تصل الشاحنات المحملة بالمساعدات لتلك المنطقة والتي هي أيضا مصنفة “حمراء” حسب الجيش الإسرائيلي، فقامت قوة من الجيش باعتقالهم لساعات قبل أن تفرج عنهم بعد أن تعرضوا للضرب والتعذيب الميداني وفق إفادات عدد من هؤلاء الأطفال المجوعين.
وبالرغم من هذه الخطورة المحدقة بالمدنيين الفلسطينيين المجوعين لاتتوقف محاولاتهم للوصول إلى أي منطقة قد يتمكنون فيها من الحصول على بعض الطعام سدا لجوعهم وجوع عائلاتهم في وقت تشير فيه المعطيات الأممية أن المجاعة في قطاع غزة وصلت في تموز يوليو الجاري إلى مستواها الخامس وهو مستوى قياسي خطير ويعبر عن مدى عمق الأزمة الإنسانية في القطاع التي تدفع المواطنين للتوجه لتلك المناطق الخطيرة بالرغم من خيارات قاتمة تتراوح بين الموت والاعتقال أو الإصابة والإخفاء القسري.
ووفق معطيات المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل منذ السابع من أكتوبر 3500 مواطنا فلسطينيا حيث جرى اعتقالهم أثناء العمليات العسكرية الإسرائيلية في مدن القطاع ومن مراكز إيواء النازحين، بينما استشهد منهم في مراكز التحقيق وفي المعتقلات والسجون وفق البيانات الموثقة في السجون خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2023 وحتى أيلول الجاري 2025 حوالي 52 شهيدا، وهم فقط من عرفت هوياتهم في ظل استمرار جريمة الإخفاء القسري ما يجعل من هذه المرحلة في تاريخ الحركة الأسيرة الأكثر دموية حيث بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 حتى اليوم 311 أسيرا شهيدا.



