قصة إنسانية: عبد الرحمن صلاح.. “شيخ الأسرى” الذي قاوم القيد حتى توقف نبضه!

جنين – الدائرة الإعلامية:

لم يكن عبد الرحمن صلاح، الملقب بـ”شيخ الأسرى”، مجرد رقم في سجل طويل من المعتقلين الفلسطينيين، بل كان قصة صمودٍ استثنائية، جسّدت معاناة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأبرزت الوجه البشع لسياسة الإهمال الطبي المتعمد، والإذلال المنهجي، والموت البطيء.

ولد عبد الرحمن في مدينة جنين عام 1954، واعتقل للمرة الأولى في يونيو/حزيران 2002 عقب أحداث مجزرة جنين، وحُكم عليه بالسجن 25 عاماً. ومع أن سنوات السجن أثقلت جسده النحيل، فإنها لم تنل من عزيمته. أفرج عنه عام 2011 ضمن صفقة “وفاء الأحرار”، لكن الاحتلال عاد لاعتقاله عام 2014، غير آبهٍ بعمره أو حالته الصحية، ليعيد حكمه الجائر بالسجن 25 عاماً أخرى.

داخل الزنازين المعتمة، كان عبد الرحمن يعيش وضعاً إنسانياً مأساوياً؛ لا يرى إلا بنسبة 5%، ويعاني من أمراض مزمنة وإعاقات حركية. لكنه، بدلاً من أن يتلقى رعاية طبية، جُرد من عكازه، ونظارته، وأُجبر على الزحف أو الاتكاء على الجدران، بينما كان جنود الاحتلال يسخرون من عجزه، ويضربونه وهو مقيدٌ على كرسي متحرك ومعصوب العينين، رغم شبه فقدانه للبصر.

رشا تتحدث بحرقة:

“كان والدي لا يستطيع المشي دون مساعدة شخصين. وعندما كانوا يصطحبونه لموعدٍ طبي أو جلسة محاماة، كانوا ينهالون عليه بالضرب ويقولون له: أنت تدّعي العجز!”.

في مستشفى سجن الرملة، الذي يُفترض أنه مرفقٌ طبي، عاش “شيخ الأسرى” اعتقالاً من نوع آخر. لم يتلقَّ فيه علاجاً بل تعرض للضرب المبرح، مما تسبب له بإصابة خطيرة في الرأس، فقد على إثرها الذاكرة لشهور. ومع ذلك، لم تُسمح لعائلته بزيارته إلا مرة واحدة خلال سنوات اعتقاله، ولم يُسمح لأي مؤسسة طبية أو حقوقية بمتابعة حالته.

اليوم، وبعد إطلاق سراحه ضمن صفقة “طوفان الأحرار”، لم يُمنح عبد الرحمن الحرية الكاملة، بل أُبعد قسراً إلى القاهرة، حيث يقيم حالياً في مستشفى فلسطين، يصارع المرض والذاكرة المُتعبة بعيداً عن وطنه وعائلته. وحتى زوج ابنته الذي رافقه إلى مصر لرعايته، تعرض لحادث وأصبح هو الآخر بحاجة إلى رعاية طبية، ما أضاف مزيداً من الألم للعائلة.

قصة عبد الرحمن صلاح ليست فردية؛ إنها نموذج صارخ لما يتعرض له أكثر من 15 ألف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، حيث يُحرمون من أبسط الحقوق الأساسية: الغذاء الصحي، العلاج الطبي، الملابس المناسبة، الراحة، والكرامة. ينتشر بينهم الجرب، والأمراض الجلدية، وأمراض المفاصل والجهاز التنفسي، من دون أي استجابة طبية تُذكر.

رسالة للعالم:

“أنقذوا ما تبقى من الإنسانية في سجون الاحتلال”. فالقضية لم تعد فقط قانونية أو سياسية، بل هي نداء عاجل لإنقاذ أرواحٍ تُسحق يومياً تحت رحى الإهمال والعنصرية والقسوة.

هذه هي قصة شيخ الأسرى، عبد الرحمن صلاح، تُحتم علينا جميعاً أن نُعيد تسليط الضوء على ملف الأسرى المرضى، وأن نحمل هذا الملف إلى كل منبر ومحفل دولي، فالأسرى لا يطلبون المستحيل… فقط الحد الأدنى من الحياة.